فصل: الفصل التاسع تشريح عضل الرأس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون **


  الفصل التاسع تشريح عضل الرأس

والكلام في هذا الفصل يشتمل على ستة مباحث‏:‏

  البحث الأول تعديد حركات الرأس

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن للرأس حركات‏.‏

إلى قوله‏:‏ أما العضل المنكسة للرأس خاصة‏.‏

الشرح لما كانت الحاسة المخلوقة لحراسة البدن‏.‏ وهي العينان موضوعة في الرأس‏.‏

فينبغي أن يكون للرأس أن تتحرك إلى جميع الجهات حركة تتمكن بها الحاسة من الإشراف على جميع الأعضاء لكن ما سوى الحية من الحيوانات فإن رؤوسها لا يمكن أن تتحرك إلى خلف حركة تكون بها العينان مشرفة على جميع الأعضاء الخلفية‏.‏

لأن ذلك لا يمكن أن يكون بأن تتحرك الرأس بالاستدارة حتى تصير العينان من خلف البدن إذ كان يلزمه انقطاع النخاع وفساد تركيب العنق ولا يمكن أيضاً تحركة الرأس منقلباً إلى خلف لأن ذلك يلزمه أن تكون العينان نظرهما إلى فوق لا إلى جهة الأعضاء فلذلك أكثر الأعضاء الخلفية لا يمكن أن تكون محروسة بالعينين فيما سوى الحية‏.‏

وأما الحية فلو لم تكن هذه الحركة ممكنة فيها لم يكن لعينها إشراف على شيء من أعضائها لأن وضع العين في الحية هو إلى قدام جميع أعضائها‏.‏

فلذلك احتيج أن يكون وضع عينيها بحيث إذا تحرك رأسها هذه الحركة يكون لأعينها إشراف على مؤخر بدنها ثم إن حركة الرأس قد تكون له بذاته وقد تكون بمشاركة أعضاء أخرى كخرزات العنق ولا يمكن الاكتفاء بإحدى هاتين إذ لو اقتصرت على حركته بالمشاركة لكان إذا عرضت لتلك الأعضاء آفة تمنع حركتها بطلت حركة الرأس وفائدتها ولو اقتصر على حركته بانفراده لم تف بالمقصود‏.‏

إذ حركته بانفراده لا يمكن أن تكون كبيرة تامة وإلا كان مفصله مع العنق رخواً سلساً جداً‏.‏

ويلزم ذلك أن يكون التركيب واهياً فلا بد وأن يكون له مع هذه الحركة حركة بشركة خرزات العنق حتى تتمكن بتلك الحركة من حركات تامة إلى أكثر الجهات‏.‏

فتكون للعينين اطلاع على أكثر الأعضاء وإذا كان كذلك فلا بد من عضلات لحركاته الخاصة وعضلات لحركاته التي بالمشاركة‏.‏

فلنتكلم في كل واحد من هذه الأصناف في بحث يخصه‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني العضل المنكسة للرأس خاصة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المنكسة للرأس خاصة‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما العضل المنكسة للرأس والرقبة معاً إلى قدام‏.‏

الشرح لما كان التنكيس يتم بالتحريك إلى قدام وإلى أسفل جعل العضل المنكس للرأس وحده يتصل ليفه بما يلزم تقلصه التحريك إلى الجهتين جميعاً فخلق هذا العضل متصلاً بما خلف الأذنين ومن أسفل بالقص والترقوة‏.‏

وإنما جعل ذلك لأن هذا العضو لكبره يحتاج أن يكون محركه قوياً وذلك يحوج إلى معاضدة أحد الجزئين بالآخر وإنما لم يخلق لكل تحريك عضلة واحدة على حدة لأن التنكيس الثقيل لا يحتاج إلى آلة شديدة القوة‏.‏

ولما كان هذا العضل متصلاً بهذين الموضعين فلا بد وأن يكون من كل جانب ماراً بالعنق إلى قدام على تأريب ولا بد وأن يكون العضل من الجانبين حتى إذا أريد تنكيس الرأس من أحد جانبيه حركه العضل الذي في ذلك الجانب‏.‏

وإن أريد تنكيسه بجملته حرك العضل معاً وكفى من كل عضلة واحدة في كل جانب ولأن التنكيس كلما قلنا أسهل ولما كان طرفا هاتين العضلتين ومن أسفل في موضع ضيق لم يتصل ذلك الموضع بأن يكون طرف كل واحد منهما منفصلاً عن طرف الأخرى فاحتيج أن يتحد الطرفان هناك وهذا الاتحاد يبتدئ من العنق ويكون أكثره عند القص لأن هذا الموضع يضيق بتدريج وإنما يوسع هذا المكان بأن يجعل أكثر ليفها الذي من أسفل البدن متصلاً بعظم الترقوة لأن ذلك يلزمه جذب كثير للترقوة في أو قات التخلص وهو موهن لاتصالها بعظم القص وإحدى هاتين العضلتين لحمية والأخرى تبتدئ من خلف الأذنين رباطية‏.‏

وآخرها عند القص من جوهر الوتر وهذه يصير لها رأسان أحدهما عند القص ولكن جوهره عصبي والآخر عند الترقوة وأكثر جوهره لحمي ولأجل هذين الرأسين يظن أنها ليست عضلة واحدة وإنها عضلتان‏:‏ إحداهما فوق الأخرى ولذلك قيل أن العضل المنكسة للرأس وحده ثلاث عضلات‏.‏ والحق أنه عضلتان فقط‏.‏

إذ لم يوجد للتي لها رأسان مبدآن وهاتان العضلتان عظيمتان لكبر العضو المتحرك بهما وهما في ميلان الذين يكثرون حركة رؤوسهم أو يقوونها أعظم وذلك كالمصارعين ونحوهم‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث العضل المنكسة للرأس مع الرقبة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المنكسة للرأس والرقبة‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما العضل المقلبة للرأس وحده إلى خلف‏.‏

الشرح هذا العضل لا يمكن أن يكون متصلاً بعظام القص لأنه يحتاج أن يمتد إلى أسفل فلو اتصل بعظام القص لكان ليفه ينعطف عند الترقوة إلى جهة عظام الرقبة فلا يكون ذاهباً على الاستقامة ولذلك جعل متصلاً بعظام الصلب ويمتد من أسفل إلى الفقرة الخامسة من فقار الصدر فلذلك هو كبير الطول ويمتد على جميع فقار الرقبة من قدام وهو تحت المريء أي تحته إذا كان الإنسان مستلقياً وإنما خلق ذلك عظيماً لأن تنكيس الرأس مع الرقبة إنما يتم بقوة قوية لأن مفاصل الفقرات ليست شديدة السلاسة‏.‏

وهذا العضل ينتهي من فوق إلى أسافل الرأس ويحوي الموضع الذي بين مفصل الرأس والطرف الأسفل من الدرز اللامي وهو عضلتان كل عضلة من جانب وهما لحميتان لئلا يتأذى المريء بمماسة جرمه إلى الصلابة‏.‏

وإذا تحركتا بجميع أجزائهما مال الرأس والرقبة معاً إلى قدام وتنكسا وإذا تحرك أعلاهما فقط وهو المتصل بأسافل الرأس إلى الفقرة الأولى والثانية من فقرات العنق مال الرأس وحده إلى قدام وتنكس إلى أسفل وإنما لم يحتج في هاتين العضلتين إلى انبثاق شيء من ليفهما إلى خلف كما في المنكسة للرأس وحده لأن تلك أجزاؤها السفلية مائلة كثيراً إلى قدام ولا كذلك هذه‏.‏

فإن جميع أجزائها كأنها إلى خلف لأن مقدم العنق تسامت أكثر من منتصف الرأس ما بين قدام وخلف وعبارة الكتاب غير فصيحة لأنها توهم أن هذا الزوج ينتهي أسفله إلى الفقرة الأولى من فقار العنق وأنه إذا تشنج بسطحه الذي يلي المريء وهو السطح الظاهر نكس الرأس وحده‏.‏

وإذا تشنج سطحه الباطن وهو الذي يلي الفقرتين نكس الرقبة وهذا مما لا يصح البتة فإن المتصل بالفقرة الأولى والثانية إذا لم يتصل بها دون ذلك من العظام لم يمكن البتة أن ينكس الرقبة إذ المنكس لا بد وأن يجتذب إلى أسفل والحق في هذا هو ما قلناه‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الرابع العضل المقلبة للرأس وحده إلى خلف

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضلة المقلبة للرأس وحده إلى خلف‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما العضل المقلبة للرأس مع العنق فثلاثة‏.‏

الشرح قال المشرحون إن هذه العضلات ثمان من كل جانب منها أربع‏:‏ فالزوج الأول منها ينشأ من فوق مفصل الرأس مع الرقبة بقليل وذلك هو آخر عظم مؤخر الرأس وليس منشؤه من وسط ذلك الموضع أعني ليس في وسط ما بين جانبي مؤخر الرأس بل أحد فرديه مائل‏.‏

إلى الجانب الأيمن من الرأس والآخر إلى الجانب الأيسر وينزل كل فرد منها مؤرباً حتى يلتقي عصبهما عند سنسنة الفقرة الثانية من فقار العنق بأن يضيق ما بينهما قليلاً قليلاً إلى هناك‏.‏

والزوج الثاني ينشأ من طرف عظم مؤخر الرأس أيضاً ولكن يكون ما بينهما من وسط ذلك الموضع أي وسط ما بين جنبيه فيكون ابتداء منشأ هذا وابتداء منشأ الزوج الأولى على خط مستقيم فوق مفصل الرأس مع الرقبة بقليل وهذان الزوجان يماسان ذلك المفصل‏.‏

وهذا الزوج ينزل أيضاً مؤرباً ولكن إلى الجهة الوحشية فلا يزال يتسع ما بين فرديه حتى يبلغ منتهاه وذلك عند الزائدتين اللتين عند جنبي الفقرة الأولى وهما اللتان سماهما جالينوس في والزوج الثالث ينشأ من هاتين الزائدتين اللتين في جنبي الفقرة الأولى كل فرد منه من زائدة فيكون مؤرباً إلى الأنسي حتى ينتهي عند سنسنة الفقرة الثانية فيكون هذا الزوج واصلاً بين طرفي الزوجين الأولين‏.‏ والزوج الرابع صغير تحت الثالث‏.‏

ينشأ من عظم مؤخر الرأس وينتهي عند الفقرة الأولى وهو على ما في الكتاب ينزل مؤرباً وينتهي عند جناحي الفقرة الأولى أعني الزائدتين اللتين على جنبيها وذلك عند مبدأ منشأ الزوج الثالث فيكون شكل هذه الأزواج الأربعة هكذا‏:‏ قوله‏:‏ فأربعة أزواج مدسوسة تحت الأزواج التي ذكرناها ينبغي أن يقول‏:‏ تحت الأزواج التي نذكرها‏.‏

وذلك لأن الأزواج التي هي مدسوسة تحتها هي الأزواج التي تقلب الرأس والعنق إلى خلف وهي المذكورة بعد هذه الأزواج وسنذكر حكمة اندساس هذه تحت تلك قوله‏:‏ ومنبت هذه الأزواج هو فوق المفصل يعني مفصل الرأس مع الرقبة وذلك هو الحد المشترك بينه وبين الفقرة الأولى من فقار العنق يعني يكون ذلك فوقه لا أنه كذلك إذا كان الإنسان مستلقياً على بطنه أو ظهره بل إذا كان قاعداً أو منتصباً وينبغي أن يقول‏:‏ ومنبت أكثر هذه الأزواج هو هناك وذلك لأن الزوج الثالث منها منبته ليس من ها هنا بل من زائدتي الفقرة الأولى اللتين عند جنبيها‏.‏

قوله‏:‏ زوج يأتي جناحي الفقرة الأولى فوق زوج يأتي سنسنة الثانية يريد ها هنا بالفوق ما يكون فوقاً إذا كان الإنسان مستلقياً على بطنه وإنما خلق هذا الزوج فوق تلك ليسد السافل بعض الجهة التي عند مفصل الرأس وذلك عند قرب وسط ما بين جانبيها فلا يكون هذا الزوج الآتي فوقه إلى جناحي الفقرة الأولى آتياً إلى هناك مع انعطاف في وسطه إلى أسفل وإنما لم يعكس ذلك فيجعل الآتي إلى سنسنة الفقرة الثانية من فوق وذلك لأن هذا الزوج ينشأ من جانبي أسفل مؤخر عظم الرأس فيكون طريقه إلى سنسنة الفقرة الثانية متدرجة في التسافل فلا يلزمه انعطاف في وسطه إلى أسفل ولا كذلك الزوج الآتي إلى جناحي الفقرة الأولى فإنه في ابتداء طريقه انخسافاً كثيراً فيحتاج إلى شد ذلك الإنخساف لئلا يلزم انعطافه إلى أسفل وحينئذٍ كان يلزم تشنجة لجذب الرأس أن يرتفع الجلد هناك‏.‏

قوله‏:‏ وخاصيته أن يقيم ميل الرأس عند الانقلاب إلى الحال الطبيعية الذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الزوج لا مدخل له في تحريك الرأس البتة‏.‏

بل ولا في تحريك غيره وذلك لأن هذا الزوج لا يتصل بالرأس‏.‏

وقد بينا أن الفقرة الأولى والثانية ليس لو احدة منهما حركة بدون الأخرى وهذا الزوج لا اتصال له بغير هاتين الفقرتين بل فائدته والله أعلم‏.‏

أنه يقاوم ما يوجبه الرأس عند انقلابه من حفظ الفقرة الأولى إلى داخل ويلزم ذلك تزعزع مفصلها مع الثانية وإضرار السن الناشبة من الثانية بالنخاع لأن الفقرة الأولى لو مالت إلى داخل مال النخاع معها لا محالة‏.‏

ولا يلزم ذلك ميل السن لأن يكون ثابتاً بثبات الثانية ويلزم ذلك انشداخ النخاع به فخلق هذا الزوج من العضل ليقاوم ضغط الرأس حين انقلابه للفقرة الأولى بثقله وتمييله لها إلى داخل بأن يجذبها حينئذٍ إلى خارج معتمداً على ظهر الفقرة الثانية فيبطل تأثير ضغط الرأس إذا ثبت هذا يلزم أن تكون العضلات المحركة للرأس وحده إلى خلف ثلاثة أزواج فقط‏.‏

قوله‏:‏ وينفذ تحت الثالث‏.‏

لقائل أن يقول‏:‏ إن هذا الزوج الرابع لا يتعدى موضع ابتداء الزوج الثالث فكيف يكون تحته وجوابه‏:‏ أن مراده ها هنا يكون تحت ذلك لأن السطح الذي هذا فيه لو فرضنا موافاته إلى آخر العنق مثلاً كان حينئذٍ تحت السطح الذي فيه ذلك الزوج أعني تحته إذا كان الإنسان على بطنه وإنما خلق كذلك لأن ظاهر الفقرة الأولى أسفل حينئذٍ من ظاهر الفقرة الثانية وذلك لصغر الأولى ورقتها ومنشأ الزوج الثالث هو من قريب مفصلها مع الرأس فلا يبلغ ارتفاعها إلى سطح ظاهر الفقرة الثانية البتة‏.‏

قوله‏:‏ والرابع يقلب إلى خلف مع تأريب ظاهر الذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الزوج لا يخالف الزوج الثاني وأن كل واحد منهما إنما يلزم حركته توريب إذا كان المحرك هو أحد فرديه وأما إذا تحرك الفردان معاً فإن انقلاب الرأس يكون مستوياً‏.‏

قوله‏:‏ والثالث والرابع أيهما مال وحده ميل الرأس إلى جهته وإذا تشنجاً جميعاً تحرك الرأس إلى خلف منقلباً من غير ميل الزوج‏.‏

والثالث فقد بينا أنه لا مدخل له في التحريك‏.‏

وأما الرابع فقد بينا أن ميل الرأس به إلى جانب إنما يكون إذا كان المحرك أحد فرديه‏.‏

بقي ها هنا مسألة وهي‏:‏ أن لم خلقت هذه الأزواج مؤربة مع أن ذلك يلزمه تطويل مسافتها لا لفائدة إذ أعصابها تنشأ من النخاع فتكون مستغنية عن استفادة الصلابة بطول المسافة والجواب‏:‏ أنها لو لا تأربها لكان يلزمها انعطاف في أو ساطها ويلزم ذلك أن تكون عند تشنجها رافعة لجلدة الفقار رفعاً مؤلماً فيكون ميلها للرأس إلى خلف مؤلماً‏.‏ ولا كذلك إذا جعلت على هذه الهيئة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الخامس العضل المقلبة للرأس والرقبة معاً إلى خلف

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المقلبة للرأس مع العنق فثلاثة‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما العضل المملية للرأس إلى الجانبين فهي زوجان‏.‏

الشرح هذه العضلات المقلبة للرأس مع الرقبة إلى خلف موضوعة فوق تلك العضلات المقلبة له وحده أعني أنها فوقها إذا كان الإنسان على بطنه‏.‏

وإنما كان كذلك لأن هذه العضلات تحتاج أن تكون ممتدة من الرأس إلى فقرات الظهر فلو لم يكن تحتها تلك العضلات لكانت هذه يلزمها أن تنعطف إلى أسفل في المواضع التي تملؤها تلك العضلات فكانت إذا تشنجت لقلب الرأس يلزمها رفع الجلد الذي فوقها وذلك مؤلم موحش للصورة فاحتيج أن تكون تلك العضلات تحتها لتسند المواضع الغائرة التي في طريقها وما كان من هذه العضلات أعظم وجب أن يكون وضعه فوق ما هو أصغر منه للعلة المذكورة فلذلك كان أعظم هذه هو الزوج المجلل‏.‏

قوله‏:‏ فثلاثة أزواج غائرة معنى أن هذه غائرة أنها موضوعة في غور وهو ما يبقى بعد شد العضلات المقلبة للرأس وحده وذلك لأن هذا الغور كبير فلا تفي تلك العضلات بملئه وإنما خلقت هناك مواضع غائرة لأن كل واحدة من فقرات العنق فإنها يجب أن تكون أصغر مما تحتها ضرورة أن المحمول ينبغي أن يكون أصغر من الحامل فلذلك تكون الفقرة التي عند الرأس أصغر فقار العنق ولا بد وأن يكون عظم الرأس خارجاً عنها إلى خلف كثيراً ليكون له من خلف ثقل يقاوم ثقله من قدام أو يقرب منه فلا يكون الرأس شديد الميل بطبعه إلا قدام فلذلك يكون عظم الرأس هناك شديد النتوء وما دون ذلك من الفقار له نتوء وتدرج فيبقى عند الفقرة الأولى غور كثير لا محالة ولا يزال هذا الغور يقل كلما بعد عن الرأس بقدر كير الفقرات‏.‏

قوله‏:‏ كل فرد منه مثلث قاعدته عظم مؤخر الرأس هذه القاعدة هي قاعدة جملة الزوج لا قاعدة كل فرد منه وذلك لأن هذا الزوج بجملته مثلث حاد الزوايا وفيه ضلعان متساويان وهما اللذان يصل بطرف كل واحد منهما طرف من هذه القاعدة فتكون الزاويتان اللتان تواترانهما متساويتين وهما اللتان على هذه القاعدة والزاوية التي يحيط بها الضلعان أصغر من كل واحدة من هاتين الزاويتين إذ كل واحد من هذين الضلعين يجب أن يكون أطول من القاعدة وذلك لأن هذا المثلث يجب أن يكون هو والأزواج الثلاثة الأخر الكل متصلاً بفقرات الظهر حتى يلزم من تشنج هذه العضلات انقلاب الرقبة مع الرأس‏.‏

ولولا ذلك لكان المنقلب حينئذٍ هو الرأس وحده وإذا كان كذلك لزم أن يكون ضلعاً كل واحد منهما أطول من القاعدة لأن ما بين الرأس وفقار الظهر أطول مما بين جانبي مؤخر الرأس هذا إذا كان ما بين الرأس وفقار الظهر كالعمود على هذه القاعدة فكيف ضلع المثلث الذي على هذه الصورة فلذلك يكون كل واحدة من الزاويتين اللتين على القاعدة أكثر من ثلثي القائمة والزاوية التي يحيط بها الضلعان أقل من ثلثي قائمة‏.‏

وهذا المثلث ينقسم إلى مثلثين متساويين هما فردا هذا الزوج ويفصل أحدهما عن الآخر خط مستقيم آخذ من منتصف هذه القاعدة إلى ملتقى الضلعين فيكون لا محالة عموداً على هذه القاعدة‏.‏

فيكون في كل واحد من هذين المثلثين زاوية قائمة وهي التي يوترها أحد الضلعين اللذين في جهة ذلك المثلث والزاوية الأخرى التي عند طرف القاعدة أكبر من ثلثي قائمة والتي عند الطرف الآخر من الضلع توترها الذي يوتر القائمة أقل من ثلث قائمة وتكون قاعدة كل واحد من هذين المثلثين هو النصف الأيمن أو الأيسر من قاعدة المثلث المجتمع من المثلثين وهي عظم مؤخر الرأس‏.‏

قال جالينوس‏:‏ وهذه العضلات عراض بعضها فوق بعض فإذا شيلت المجللة عنها يظهر للرؤية في بعض المرار ثلاثة أزواج وفي أكثرها زوجان فقط أحد الزوجين عضلة عريضة إلى تأريب يسير قال‏:‏ والزوج الآخر مدور العضل وليفه مضاد في الوضع لليف العضل الأول لأنه يبتدئ من جنبي الرأس وهو موضع منتهاه ويبلغ إلى الشوكة ويعني بالشوكة السنسنة‏.‏

هذا إذا كان الظاهر زوجين فقط أما إذا كانت ثلاثة فإنا نجد الواحد منها يمتد بجنب عظم الصلب والآخر تحت الزوائد التي عن جنبي الفقار ويريد بهذه الزوائد الأجنحة‏.‏

والثالث‏:‏ يوجد في الوسط بينهما وربما رأينا مراراً كثير الليف بجميع مبادئها تنشأ من خلف على تأريب ويصير إلى قدام حتى يبلغ الفقار إلى المواضع منها التي قيل‏:‏ قد عرفت أن الأجنحة موضوعة في جنبي الفقار فكيف جعل جنبي الفقار ها هنا مغايراً لموضع الأجنحة قلنا‏:‏ الأجنحة وإن كانت إلى جنبي الفقار ولكنها ليست على الوسط فيما بين خلف وقدام والمراد ها هنا بالجنبين ما هو كذلك وها هنا مسألتان‏:‏ إحداهما‏:‏ ما السبب في وضع العضلات المقلبة للرأس إلى خارج وهلا وضعت كلها إلى داخل الفقار مبتدئه من خلف الرأس فإن ذلك الموضع أحرز لها وثانيتهما‏:‏ ما السبب في تكثير أعداد هذه العضلات مع صغر جرم أكثرها وهلا جعلت مثل المنكسة للرأس إلى قدام قليلة العدد والجواب‏:‏ أما الأول فلأن تحريك الثقيل من جهة حركته أسهل كثيراً من تحريكه من الجهة المقابلة وأما الثانية‏:‏ فلأن حركة الرأس إلى خلف لما كانت عسرة لأجل ميل اكثر ثقله إلى قدام كان إذا حرك إلى خلف بمعرض التزعزع لكلال قوة الجذب فاحتيج أن تكون تلك الآلات كثيرة العدد لتكون متشبثة به من جوانب كثيرة كالأطناب فيكون ثباته عند هذه الحركة في الموضع الذي يحرك إليه محكماً‏.‏

وأما حركته إلى قدام فإنها على وفق ثقله وميله الطبيعي المثقل فلا تفتقر فيها إلى ذلك‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث السادس العضل المميلة إلى الجانبين

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المميلة للرأس إلى الجانبين‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح قد جعلت العضلات المحركة للرأس إلى الجانبين أصغر مقداراً أو أقل عدداً وذلك لأن مفصل حركة الرأس يميناً وشمالاً سلس وسبب ذلك أنه يحدث من زائدتين من عظام الرأس تدخل في نقرتين من الفقرة الأولى ولا كذلك مفصل حركته قداماً وخلفاً فإنه يحدث بدخول طرف السن في نقرة الأولى ولا كذلك مفصل فلو لم يكن أكثر إيثاقاً لعرض له الخلع كثيراً وإذا كان المفصل سلساً كانت حركته سهلة فيقوم بها العضل القليل العدد والمقدار مقام الكثير العدد والمقدار ولا كذلك ما كان من المفاصل إلى الوثاقة وجعل عدد هذه العضلات أربعاً لأنها لو كانت اثنتين فقط لكان يجب أن يكون موضعها ما بين مقدم العنق ومؤخره على السواء ولو كان كذلك لكان الرأس إذا حرك إلى أحد الجانبين يبقى حينئذٍ قلقاً ربما مال إلى قدام وخلف وأكثر إحداهما‏:‏ في طرف ذلك الجانب من قدام والأخرى في طرفه من خلف حتى إذا تحرك الرأس بهما إلى ذلك الجانب بقيت كل واحدة منهما مانعة من حركته حينئذٍ إلى ضد جهتها فتكون التي إلى خلف مانعة من حركته نحو قدام والتي إلى قدام مانعة من حركته إلى خلف‏.‏

وجعلت التي في الطرف الذي إلى خلف أصغر لأنها تصل بين الرأس والفقرة الأولى فقط والتي في الطرف الذي يلي إلى قدام أعظم لأنها تصل بين الرأس والفقرة الأولى والثانية‏.‏

وذلك لأن المحرك ينبغي أن يكون على نسبة قدر المتحرك ومؤخر الرأس أصغر كثيراً من مقدمه والمتحرك من جهة ينبغي أن يكون أصغر من المتحرك من جهة المقدم‏.‏ والله أعلم بغيبه‏.‏

  الفصل العاشر تشريح عضل الحنجرة

والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث‏:‏

  البحث الأول تشريح الحنجرة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الحنجرة عضو غضروفي‏.‏

إلى قوله‏:‏ وعند الحنجرة وقدامها عظم مثلث‏.‏

الشرح لما كان الصوت من الإنسان ونحوه إنما يتم بخروج النفس بهيئة مخصوصة وجب أن تكون آلته وهي الحنجرة متصلة بأعلى مجرى النفس ليتم هناك تكون الصوت كما نبينه في كلامنا في الصوت‏.‏

ويحتاج أن تكون هذه الآلة ليست شديدة اللين فلا يكون لقرعها في بالهواء الخارج صوت يعتد به ولا شديدة الصلابة فيكون ما يحدث فيها من الصوت غير مستطاب وأيضاً لو خلقت من أجسام صلبة جداً كالعظام فإما أن تكون دقيقة فتتهيأ للانكسار بسهولة أو لا تكون كذلك فتوجب زيادة في الثقل وغلظ في جرم العنق لا لضرورة فلذلك وجب أن تكون مخلوقة من غضاريف لتكون‏.‏

متوسطة الصلابة فيكون ما يحدث فيها من الصوت لذيذاً وتكون بما فيها من اللين آمنة من الانكسار عند المصادمات التي ليست شديدة القوة وبما فيها من الصلابة معينة على قوة الصوت فلذلك‏:‏ الحنجرة عضو غضروفي خلق آلة للصوت‏.‏

وينبغي أن يزاد هذا الحد فيقال‏:‏ موضوع فوق القصبة الرئة ليخرج بذلك قصبة الرئة وأجزاؤها فإن كل واحد من ذلك يصدق عليه أنه غضروفي خلق آلة للصوت لأن قصبة الرئة وأجزاؤها وإن كان المقصود الأول بخلقها إنما هو أن تكون آلة للتنفس فإنها أيضاً مع ذلك آلة للصوت‏.‏

لأن الصوت وإن كان يتم بالحنجرة ولكن بشرط أن يكون الهواء الذي يجتذب به نافذاً إليها من القصبة حتى يكون آخذاً من مضيق ينحصر فيه إلى فضاء يحدث فيه بقرع الهواء لجدرانه كالطنين والحال في البوق ونحوه من الآلات الصناعية للصوت الصناعي‏.‏

ولم تجعل هذه الآلة من غضروف واحد ليمكن أن ينفرج عند إرادة تعظيم الصوت وأن يضيق عند إرادة تحديده وأيضاً لئلا تعم الآفة التي قد تحدث في بعض أجزائه وأقل ما يمكن أن يكون من غضروفين ليمكن أن ينفرج أحدهما عن الآخر فيتسع وأن ينضم أحدهما إلى الآخر فيضيق فلا بد وأن يكون بينهما مفصل ليمكن تحرك أحدهما إلى الآخر عند الانضمام وتباعده عنه عند الانفراج فلا يمكن أن يكون وضعهما بأن يكون أحدهما يميناً والآخر شمالاً وإلا كان المفصل إلى قدام وخلف فيكون ما يظهر منهما إلى قدام ضعيفاً بسبب المفصل فيكون مهيئاً للتضرر عند الملاقاة فلا بد وأن يكون هذا المفصل ما بين اليمين والشمال حتى يكون أحد الغضروفين من قدام والآخر من خلف فيكون كل واحد منهما في جهته وينبغي أن يكون القدامي مقبباً ليكون شكله كرياً فيكون أبعد عن قبول الآفات ومشتملاً على فضاء أو سع‏.‏

وأن يكون الخلفي منهما مستوى السطح لأنه لا يمكن أن يكون محدباً إلى داخل فضاء الحنجرة وإلا كان يضيقها ولا إلى خارج وإلا كان يزاحم أعلى المريء ويمنع نفوذ الطعام فيه ثم لما وجب أن وجب أن يكون منفذ الطعام والشراب من وراء هذا المنفذ فلا بد وأن يمر أعلى هذا المنفذ إلى منفذهما فلو كان هذا منفجرجاً حينئذٍ لسقط فيه أكثر الطعام وسال فيه كل الماء أو أكثره‏.‏

فلابد أن يكون هذا المنفذ بحيث ينسد عند نفوذ المأكول والمشروب‏.‏ وأن ينفتح في غير ذلك الوقت ليمكن خروج الهواء ودخوله‏.‏

ولا يمكن أن يكون ذلك بأن ينضم أحدهما إلى الآخر تارة لأن الغضاريف لصلابتها لا تطاوع لمثل هذا الانضمام فلا بد إذاً من جسم آخر ليكون في أعلاهما بحيث ينطبق على فم الحنجرة إذا أريد نفوذ الطعام أو الشراب ونحوهما وأن ترتفع عنه فيمكن نفوذ الهواء ولا بد وأن يكون هذا الجسم صلباً وإلا أمكن أن ينثني بثقل الطعام وينعطف إلى أسفل فيحصل هناك خلل ينفذ فيه الماء عليه ولا يمكن أن يكون بغاية الصلابة كالعظم وإلا لم يكن سده تاماً لأن شدة الصلابة تمنع من انثناء الأطراف انثناء يكون معه السد محكماً فلا بد وأن يكون غضروفياً ولا بد وأن يكون له مع أحد الغضروفين مفصل حتى يمكن أن يتحرك تارة إلى الإطباق وأخرى إلى الفتح ولا بد وأن يكون هذا المفصل سلساً جداً وإلا كان تحركه لذلك ببطء فيسبقه نفوذ الطعام والشراب إلى هذا المجرى ولا بد وأن يكون مفصله مع الغضروف الخلفي إذا لو كان مع القدامى لكان عند فتح الحنجرة يبقى أمام هذا المجرى فيضيق منفذ الهواء إلى خارج أو يسده ولا كذلك إذا كان مع الخلفي لأنه يكون حينئذٍ عند الفتح وراء هذا المجرى وحينئذٍ لا يعرض من ذلك أيضاً ضرر في مجرى الطعام والشراب لأن ذلك المجرى إنما ينفذ إليه الطعام إذ كان هذا المجرى مطبوقاً ولا بد وأن يكون مفصله مع ذلك الغضروف مضاعفاً إذ لو كان بزائدة واحدة تدخل في نقرة واحدة لكان قابلاً لحركة الاستدارة فلم يؤمن من ارتفاع أحد جانبيه عند الانطباق بحبس النفس وذلك بقوة دفع الهواء المحتبس له وإذا ارتفع ذلك خرج منه الهواء فلا يكون الإطباق محكماً ولا بد وأن تكون الزوائد في هذا المفصل ناشبة من الغضروف الذي لا اسم له والنقر من المكبي ليكون عند الإطباق تامة الدخول في النقر فيكون الإطباق قوياً ولو كانت الزوائد من المكبي ليكون عند الإطباق تامة الدخول في النقر فيكون الإطباق قوياً وإذا كانت الزوائد من المكبي لكانت عند الإطباق قليلة الدخول في نقرها فيضعف اتصال أحد الغضروفين بالآخر ويكون الإطباق واهياً ولا بد من ارتباط هذه الغضاريف بعضها ببعض ارتباطاً محكماً لتكون قوية على مقاومة عضلات الصدر كلها عند الإطباق بحصر النفس‏.‏

وكذلك الإطباق لا بد وأن يكون شديد القوة‏.‏ والله أعلم بغيبه‏.‏

  البحث الثاني تشريح العظم اللامي

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعند الحنجرة وقدامها عظم مثلث‏.‏

إلى قوله‏:‏ والحنجرة محتاجة إلى عظم يضم الدرقي إلى الذي‏.‏

الشرح قد عرفت أن الحنجرة لا بد لها من إطباق وفتح وتوسيع وتضييق وستعرف أن اللسان لا بد وأن تكون له حركة لأجل الكلام ومضغ الطعام‏.‏

وهذه الحركات لا بد وأن تكون من الحركات الإرادية التي إنما تتم بالعضل والعضل لا بد وأن يكون في تحريكها مستندة إلى عظم أو ما يقوم مقامه وعظام العنق واللحيين بعيدة وغير موافقة في وضعها لأن تستند إليها جميع العضلات التي تحتاج إليها في هذه الحركات كما نبينه عليه عند تفصيلنا الكلام في تلك الحركات فلا بد من عظم يكون بالقرب من هذه الأعضاء تستند إليه تلك العضلات ولا بد وأن تكون لهذه الحركات عضلات تجذب إلى فوق وإلى أسفل وإلى قدام وإلى خلف فلا بد وأن يكون لها مستند في هذه الجهات كلها فلا بد وأن تكون لهذا العظم أجزاء في جميع هذه الجهات وأقل ما تتم به ذلك إذا كان له خمس أضلع‏:‏ أحدها‏:‏ منتصب على الاستقامة في طول العنق وراء المرئ هو كالأصل لجميع أضلاعه‏.‏

وضلعان من فوق يأخذان منه يمنة ويسرة وضلعان من أسفل كذلك ها هنا هكذا‏:‏ وسنحقق من كلامنا في تلك العضلات وجوب أن يكون على هذه الهيئة والضلع المنتصب منه قليل العرض والضلعان العاليان دقيقان كالمسال والسافلان أعرض منهما قليلاً وذلك على قدر العضل الذي يحتاج أن يتشبث بكب واحد من هذه الأجزاء‏.‏

وقوم يسمون هذا العظم‏:‏ العظم اللامي وهم الأكثر لأنه يوجد فيه ما يشبه اللام في كتابة اليونان‏.‏

وقوم يسمونه العظم الواوي لأنه لا يوجد فيه ما يشبه الواو في كتابتهم وخاصة أنه غير متصل بعظم آخر فلذلك يحتاج إلى أشياء يرتبط بها بعظام أخرى ليبقى وضعه محفوظاً عند تحريك عضلات الحنجرة وقصبة الرئة واللسان وغير ذلك‏.‏

فلذلك ربط من فوق بأربطة دقية مدورة تتصل بضلعيه العاليين وبالزوائد الإبرية التي عند الأذنين ومن الأسفل بأربطة أغلظ وأقوى وأطول تتصل بضلعيه السافلين وينتهي إلى الغضروف الحنجري وتحت القص وإنما كانت هذه أغلظ وأقوى لأن إمكان خروج هذا العظم عن وضعه إلى فوق أكثر لأن خروجه عن ذلك إلى أسفل يمنع منه جميع أضلاعه العالية والسافلة منعاً قوياً‏.‏

ولا كذلك خروجه عنه إلى فوق فإن الأضلاع العالية قليلة المنع من ذلك ولهذا جعلت أضلاعه السافلة أغلظ ليكون أقوى وخلق له ثلاثة أزواج من العضل‏:‏ أحدها‏:‏ عريض متصل بجانبي العظم المنتصب وينتهي إلى جانبي الفك الأسفل‏.‏

وثانيها‏:‏ يتصل بالطرف العالي من العظم المنتصب وينتهي إلى رأس الفلك الأسفل الزوج الثاني قد تركه معظم النساخ وهو زوج ينشأ من تحت الذقن ثم تحت اللسان إلى أن ينتهي إلى الطرف الأعلى من العظم اللامي وهذا الزوج أيضاً يحدث هذا العظم إلى جانب أسفل اللحى‏.‏

وثالثها‏:‏ يتصل بالطرف الأسفل من العظم المنتصب وينتهي إلى الزوائد الإبرية عند الأذنين وأظن أن فائدة هذه العضلات أن يكون لها تحريك هذا العظم إلى جهات العظام المتصلة بها فتقوم بذلك مقام العضلات أن يكون لها تحريك هذا العظم إلى جهات العظام المتصلة بها فتقوم بذلك مقام العضلات المتصلة به لتحريك أعضاء أخرى كقصبة الرئة والحنجرة‏.‏

فلا يلزم بطلان التنفس والصوت إذا عرض لعضلات تلك الأعضاء آفة‏.‏

وذلك لأن هذا العظم إذا حرك إلى جهة لزم ذلك انجذاب العضلة المتصلة به إلى تلك الجهة فيحصل المقصود منها وإن لم يكن يتحرك بنفسها وإنما لم تفعل كذلك في أضلاعها العلوية والسفلية لأن العضل المتصل بذلك جعل في نفسه مضاعفاً وذلك لأن توسيع الحنجرة يجذب الغضروف الدرقي تكفي فيه عضلة واحدة تتصل بوسطه فخلقت اثنين لتقوم الواحدة مقام الأخرى إذا عرض لها آفة فاستغني بذلك عن عضلة تقوم مقامها بتحريك هذا العظم مع أن تحريكه من هناك موهن لثباته على وضعه‏.‏ والله أعلم بغيبه‏.‏

  البحث الثالث تشريح عضل الحنجرة نفسه

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والحنجرة محتاجة إلى عضل يضم‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

إن الحنجرة تحتاج إلى عضل يضم الدرقي إلى الذي لا اسم له فتضيق الحنجرة وإلى عضل يمد الدرقي جاذبة له عن الذي لا اسم له فتتوسع الحنجرة‏.‏

وهذا لم يذكره الشيخ ها هنا ولكنه ذكره عند تعديد العضل وإلى عضل تضم الطرجهال وتطبقه فتنطبق الحنجرة وإلى عضل يوسع الطرجهال عن الدرقي فتنتفخ الحنجرة وإنما احتاجت إلى هذه الأنواع من العضل لاحتياجها إلى كل واحدة من هذه الحركات كما بيناه أو لاً‏.‏

قوله‏:‏ وعضل يبعد الطرجهال عن الآخرين‏.‏

العبارة غير جيدة لأن الطرجهال إذا ارتفع عند فتح الحنجرة لا يلزم ذلك بعده عن الذي لا اسم له‏.‏

فلنتكلم الآن في كل واحد من هذه الأنواع‏:‏ والنوع الأول الموسع للحنجرة‏:‏ وهو زوجان‏:‏ أحدهما يجذب إلى فوق وقدام ويتصل من أسفل بالدرقي ومن فوق الضلعين العاليين من العظم اللامي كل فرد منه بضلع ويأخذ من جانبي الدرقي ويصعد مستقيماً فإذا تشنج جذب الغضروف الدرقي إلى قدام وفوق فاتسعت الحنجرة‏.‏

وثانيتهما‏:‏ تجذب إلى قدام وتحت ويتصل من فوق الدرقي‏.‏

ومن أسفل بعظام القص حتى يبلغ الغضروف الحنجري ويمر إلى هناك من داخل القص‏.‏

فإذا تشنج جذب الدرقي إلى قدام وتحت فاتسعت الحنجرة‏.‏

وقد كان يمكن حصول كل واحدة من هاتين الحركتين بعضلة واحدة تتصل بوسط الدرقي‏.‏

وإنما خلق لكل واحدة منها زوج ليكون إذا عرض لإحداهما ما يبطل حركتها قامت الأخرى مقامها‏.‏

والنوع الثاني المضيق للحنجرة وهو زوجان أيضاً‏:‏ أحدهما‏:‏ يأتي من العظم المنتصب من عظام اللامي ويتصل بالدرقي من قدام ثم يستعرض ويلتف على الذي لا اسم له حتى يتحد طرفا فرديه وراء الذي لا اسم له فإذا تشنج ضم الدرقي إلى الذي لا اسم له فتضيق الحنجرة‏.‏

وثانيهما‏:‏ زوج كل فرد منه مضاعف فلك أن تجعله زوجاً واحداً ولك أن تجعله زوجين ويصل ما بين الدرقي والذي لا اسم له‏.‏

فإذا تشنج ضيق لا محالة ومن يجعل هذا زوجين ربما ظن بعضهم أن أحدهما يستبطن الحنجرة والآخر يظهر عليها وإنما احتيج إلى هذين الزوجين ليتعاضدا على قوة هذه الحركة‏.‏

وإنما ضعف أحدهما دون الموسع لأن الحاجة إلى قوة هذه الحركة أكثر منها في الموسعة لأن المضيقة فعلها مقاوم لفعل عضلات الصدر مقاومة ما لأن تلك تحاول إخراج الهواء وإدخاله بسرعة وذلك إنما يكون في منفذ واسع وهذه تمنع ذلك والنوع الثالث‏:‏ المفتح للحنجرة‏.‏

وهو زوجان‏:‏ أحدهما‏:‏ تأتى عضلتاه إلى الطرجهال من خلفه فيلتحمان بطرفه اللامي الذي لا اسم له يمنة ويسرة‏.‏

فإذا تشنجتا رفعتا الطرجهال فتبرأ عن ملاقاة الدرقي‏.‏

وثانيهما‏:‏ يأتي الطرجهال من جانبيه فيتصل كل فرد منه بجانبه من أسفل فإذا تشنجا رفعاه مادين له إلى الجانبين وإنما احتيج إلى هذين الزوجين ليتعاضدا على رفع الطرجهال بسرعة فإن رفع المبطوح بجذب طرفه فقط أو بجذبه من الجانبين فقط عسر والجذب من الجانبين ظاهر أنه إنما يمكن بعضلتين‏.‏

فأما الجذب من الطرف فإنه وإن أمكن بعضلة واحدة في وسطه لكنه بعضلتين أولى‏.‏

وكلا الزوجين يلتحمان بالذي لا اسم له كل واحدة من الجهة التي يأتي منها الطرجهال‏.‏

والنوع الرابع‏:‏ المطبق للحنجرة‏.‏

وهذا ليس يمكن أن يكون من خارج الحنجرة لأن أطباقها إنما يمكن أن يجذب الطرجهال إلى ملاقاة الدرقي‏.‏

فلو كان هذا الجاذب من خارج الحنجرة لكان ليفه إنما يصعد إلى الطرجهال من قدام فم الحنجرة أو من جانبيه إلى قدام فكان عند انفتاحها ورفع هذا الطرجهال فإنما يبقى ذلك الليف مضيقاً لمنفذ الهواء إلى الحنجرة وموجباً لخلل في الكلام فلا بد وأن يكون من داخل الحنجرة فلو كان كبيراً لضيقها فلا بد وأن يكون صغيراً ولكن هذا الإطباق لا بد وأن يكون قوياً جداً حتى يكون مقاوماً لجميع العضلات الصدر والحجاب عند إرادة حبس النفس‏.‏

وإنما يمكن ذلك مع صغر هذا العضل بأن يكون ذلك العضل قوياً جداً‏.‏

ولم يمكن أيضاً أن يكون عدده كبيراً لئلا يلزم ذلك ضيق الحنجرة فجعل هذا العضل زوجاً واحداً‏.‏

وكل واحد من فرديه صغير جداً قوي غاية القوة ويبتدئ الفردان من داخل الدرقي يمنة ويسرة‏.‏

ويصعدان آخذين إلى خلف ليتصلا بالطرجهال مثبتين فيه من جانبي طرفه الملاقي للذي لا اسم له ولا بد وأن يلتحما في ممرهما بالذي لا اسم له‏.‏

وفائدة ابتدائهما من أصل الدرقي أن يكون تشنجهما مع كونه محدثاً للانطباق موجباً لانضمام الدرقي إلى الذي لا اسم له انضماماً ما فيكون السد محكماً وقد يوجد في بعض الناس زوج صغير موضوع في أعلى الذي لا اسم له من داخل يتصل بالدرقي من طرفه يعين الزوج المذكور في الانطباق‏.‏

قوله‏:‏ والعضل المفتحة للحنجرة منها زوج ينشأ من العظم اللامي فيأتي مقدم الدرقي هذا الزوج ليس من العضل المفتحة بل من الموسعة‏.‏

قوله‏:‏ فإذا تشنج أبرز الطرجهال يشبه أن يكون ذلك غلطاً من النساخ لأنه حينئذٍ إنما يبرز الدرقي‏.‏

والحق أن يقال‏:‏ من عضل الحلقوم لا الحلق‏.‏

قوله‏:‏ فأعان في انبساط الحنجرة‏.‏

ينبغي أن يقال‏:‏ فأعان في انفتاح الحنجرة لأن التمدد الحادث عن هذا الزوج إنما هو تمدد الطرجهال لا تمدد الحنجرة‏.‏

قوله‏:‏ فإذا تشنج ضيق أسفل الحنجرة ليس المراد هنا أنه يضيق أسفلها فقط بل أنه يضيق جميع أجزائها حتى أسفلها ولا كذلك الزوج الأول‏.‏

فإن أكثر تضيقه إنما هو لو سط الحنجرة لأن التفافه عليها لا على الذي لا اسم له‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الحادي عشر تشريح عضل الحلقوم الحلق

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه فأما الحلقوم جملة‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح لفظ الحلقوم يقال عند الأطباء على قصبة الرئة وليس ذلك المراد ها هنا فإن العضل المذكور ها هنا ليس هو عضل قصبة الرئة‏.‏

وقد يقال على المجتمع من قصبة الرئة والحنجرة إذ الحنجرة هي طرف الحلقوم ورأسه فتكون من جملته وهذا هو المراد ها هنا‏.‏

والعضل المذكور له ها هنا هو في الحقيقة عضل الحنجرة وهو الزوجان اللذان ذكرناهما في تشريح عضل الحنجرة‏.‏

والثاني منهما‏:‏ هوا لذي ذكر أنه يصحب الزوج الأول في كثير من الحيوان‏.‏

وأما لفظ الحلق فالمراد به العضو المشتمل على الفضاء الذي فيه مجرى الطعام والنفس وفائدة النغانغ منع تسخين ذلك المكان وإدفائه حتى لا يتضرر ببرد الماء والهواء الواردين هو أن يكون المكان هناك ضيقاً ولذلك فائدة الصوت والازدراد‏.‏

أما الصوت فليكون الهواء الخارج من فضاء الحنجرة خارجاً إلى مكان ضيق فيكون ما يحدث عنه من القرع أكبر ونظير ذلك من المزمار الطرف الضيق الذي في أعلاه الذي ينتهي إليه الفضاء الواسع الذي دونه‏.‏

وأما فائدة ذلك للازدراد فلأنه يعين على سهولة نزول الطعام إلى فضاء المريء لأن المكان هناك لو كان متسعاً لكان الطعام قد يقع على حافات فم المريء فيعسر نزوله فيه‏.‏

وقد حذف الشيخ ها هنا عضلات قصبة الرئة فينبغي أن نشير إليها إشارة حقيقية فنقول‏:‏ لما كانت قصبة الرئة مخلوقة لأجل التنفس ولأجل الصوت وكان الصوت يختلف في ثقله وحدته باختلاف منفذ الهواء الفاعل له في سعته وضيقه وجب أن يكون بهذه القصبة تمكن من التضييق وذلك إذا أريد تحديد الصوت كما قد يستعمل لذلك حينئذٍ في الآلات الصناعية واليراع المعروف بالزير ومن الاتساع وذلك إذا أريد تثقيل الصوت أو تعظيمه جداً كما قد يستعمل لذلك حينئذٍ من الآلات الصناعية اليراع المعروف بالبم وإنما يمكن ذلك كما قلنا مراراً بأن يكون هناك عضل تحركها هذه الحركات لكنها قد خلقت على السعة التي قلما يحتاج الإنسان لذلك إذا أزيد منها فلهذا خلق لها عضل التضييق فقط وهي عضلات أربع‏:‏ اثنتان منها تأتيان من الطرف الأسفل من العظم المنتصب الذي في العظم اللامي وينزلان على طول القصبة ملتحمين بالقص من داخل‏.‏

وقد يتوهم أنها أربع عضلات والاثنتان الأخريان أصغر من هاتين وتأتيان من الأجزاء السفلية من الغضروف الدرقي وتنتهيان أيضاً عند القص محتويتين على القصبة من الجانبين‏.‏

وهذه العضلات إذا تشنجت جمعت أجزاء القصبة وضمتها وانجذب لذلك ما يتصل بكل زوج منها‏.‏

أما الزوج الأول فضلع العظم اللامي‏.‏

وأما الزوج الثاني فالغضروف الدرقي‏.‏

وكلاهما ينجذبان حينئذٍ إلى أسفل‏.‏

وإنما احتيج إلى تكثير هذه العضلات لأن جرم القصبة لصلابته إنما يمكن انضمامها عن قوة قوية تفتقر إلى عضلات كثيرة‏.‏

وإنما احتيج أن تكون هذه العضلات متشبثاً بعضها بالعظم اللامي وبعضها بالغضروف الدرقي لأن الحاجة إلى تضييق الحنجرة إنما يكون في الأكثر إذا أريد تحديد الصوت وذلك محوج إلى تقصير المنفخ فجعلت هذه العضلات مع أنها مضيقة للقصبة هي أيضاً مقصرة لها تجذب الغضروف الدرقي والعظم اللامي إلى أسفل‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثاني عشر تشريح عضل العظم اللامي

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العظم اللامي‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إنا قد تكلمنا في هذه العضلات عند تشريحنا لهذا العظم‏.‏

إذ وقع ذلك بسبب أننا تكلمنا هناك في الأشياء التي ترتبط بها ومن جملتها هذه العضلات‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثالث عشر تشريح عضل اللسان

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما العضل المحرك للسان‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن لسان الإنسان ونحوه يحتاج إلى حركات متفننة‏.‏

أما الإنسان فلأجل الكلام ومضغ الطعام‏.‏ وأما غير الإنسان فإنما يحتاج إلى ذلك لأجل الطعام فقط‏.‏

ولذلك وجب أن يكون للسان الإنسان عضلات تحركه الحركات التي يفتقر إليها في ذلك‏.‏

ويجب أن يكون منشأ كل واحدة منها من الموضع الذي هو أجود لها‏.‏

فالزوج الذي ينشأ من الزوائد السهمية ينشأ من قواعد تلك الزوائد وهو دقيق طويل يتصل به كل فرد منه بجانب من اللسان ويحركه حركة مؤربة فيعرضه بذلك‏.‏

أما دقته فلأن للسان للحميته يسهل تحركه عرضاً فيكفي في ذلك أدنى قوة‏.‏

وأما طوله فلبعد المسافة بين هذه الزوائد وبين اللسان‏.‏

وإنما كان زوجاً لأنه لو كانت واحدة لكانت إذا جذبت اللسان من جانب مال إلى ذلك الجانب من غير أن يستعرض لأن اللسان لخفته يسهل جداً تحركه إلى الجوانب‏.‏

وأما الاستعراض فإنما يتم بتمدد جرمه‏.‏

فتكون حركة الميل أسهل وإنما أنشئ هذا الزوج من هذه الزوائد لأنه لو كان من جانبي الفك لكان ليفه يأخذ من الفك إلى اللسان فيصير الجرم المركب من اللسان ومن ذلك الليف مالئاً لفضاء الفم عرضاً ومانعاً من باقي حركات اللسان لأجل اتصاله بالفك ولو أنشئ من العظم اللامي لكان أخذه على اللسان على الاستقامة فلا يمكن جذبه له إلى كل واحد من الجانبين ولأجل أن هذه الزوائد وراء اللسان ومائلة عنه إلى الجانبين‏.‏

لا جرم صار وأما باقي هذه العضلات فلما جاز أن تكون آخذة إلى اللسان على سمت مستقيم من غير توريب لا جرم كان الأولى أن يكون منشؤها من العظم اللامي‏.‏

وإنما أنشئ الزوج المطول من أعالي هذا العظم ليكون على محاذاة اللسان في السمك إذ لو كان في مكان أعلى من اللسان لكان يرفعه عند التطويل إلى فوق ولو كان من مكان واحد أسفل منه لكان يحطه حينئذٍ إلى أسفل وإنما جعل اتصاله باللسان في وسطه ليكون إذا تمدد ضغط كل واحد من طرفيه فيبعده عن الآخر ويلزم ذلك طوله وإنما احتيج في اللسان إلى هذه الحركة لأن من الأشياء ما يحتاج الإنسان ونحوه إلى ذوقها من غير إدخالها في الفم وإنما يتم ذلك بإبراز اللسان إليها‏.‏

والحية تخرج لسانها مسافة طويلة وبعض الحيات يخرج لسانها مقسوماً باثنين وأما الزوج المحرك على الوراب قلما احتيج فيه أن يكون وضعه مع ميل يسير إلى جانبي اللسان ليكون بين المعرض والمطول احتيج أن يكون منشؤه من ضلعي العظم اللامي اللذين من فوق أحد فرديه من الضلع الأيمن والآخر من الأيسر‏.‏

قوله‏:‏ من الضلع المنخفض من أضلاع العظم اللامي لا يريد بالمنخفض ها هنا السافل لأن الضلعين السافلين اللذين لهذا العظم لا يجاذبان اللسان بل ينزلان عنه فلا يجوز اتصال المحرك على الوراب بهما وأما الزوج الباطح للسان فمنشؤه من الطرف الأعلى من العظم المنتصب من جملة العظم اللامي‏.‏

وإنما أنشئ من هناك لأن التحريك المعتد به لهذا الزوج إنما هو لهذا العظم فقط وذلك بأن يجذبه إلى فوق فيكون في مقابلة العضل الجاذبة له إلى أسفل وهي التي من عند القص‏.‏

وأما تحريكه للسان فيبلغ من قلته إلى حد فلا يظهر للحس‏.‏ وهذا الزوج يمتد تحت اللسان في طوله إلى موضع الذقن‏.‏ وجالينوس جعل هذا الزوج عضلة واحدة مضاعفة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الرابع عشر تشريح عضل العنق

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه العضل المحركة للرقبة‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن عبارة الكتاب في هذا ظاهرة بينة غنية عن الشرح‏.‏ والله أعلم‏.‏

  الفصل الخامس عشر

والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث‏:‏

  البحث الأول العضلات التي تبسط الصدر

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه العضل المحركة للصدر منها ما‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما العضل القابضة للصدر فمن ذلك ما تقبض‏.‏

الشرح لما كان التنفس إنما يتم بانبساط يجذب معه الهواء لاستحالة الخلاء وانقباض تندفع معه فضول الروح وما يسخن من الهواء الوارد لأجل ضيق المكان واستحالة تداخل الأجسام فلا بد من عضلات تفعل ذلك ولما كان الغرض بالصدر أن يكون وقاية لما يحويه من القلب والرئة ونحوهما من الأعضاء الكريمة لم يمكن أن تكون عظامه بحيث تزول عن مواضعها عند هذه الحركات وإلا كان يكون تركيبه واهياً فلا بد وأن تكون هذه الحركات عسرة فلذلك لا بد وأن تكون بعضلات كثيرة جداً وخصوصاً وهذا المتحرك وهو الصدر عضو عظيم وهذه العضلات منها ما ينبسط فقط ومنها ما ينقبض فقط ومنها ما يفعل الأمرين‏.‏

أما التي تنبسط فقط فمنها ما هي بتحريك الصدر خاصة ومنها ما ليس كذلك‏.‏

والثانية‏:‏ زوج‏:‏ كل فرد منه مضاعف يتصل أعلاه بالرقبة من قدامها ومنشؤه من أجنحة فقار الرقبة خاصة الثانية منها وتبلغ إلى الإبط وتصير إلى الضلع الخامس وربما ما بين السادس وملتحم بجزء من الخامس بالضلع الأول الذي هو عند الترقوة وهو إلى الاستدارة مع طول وله فعل بجزئه المتصل بالرقبة وهو جذبها إلى قدام وفعل بالأجزاء المتصلة بالصدر وهو بسطه‏.‏

وبسط هذا الزوج للصدر ظاهر بين ولا كذلك تحريكه للرقبة فقط‏.‏

فلذلك يعد في عضلات الصدر دون عضلات الرقبة وسبب ذلك أنه لما أريد منه بسط الضلع الأول بسطاً ظاهراً احتيج أن يكون متصلاً بالرقبة حتى إذا تشنج جذب ذلك الضلع إلى فوق وقدام فبسطه وإنما يتم ذلك بقوة قوية فاحتيج أن يكون هذا الزوج عظيماً متصلاً بالرقبة كلها من قدامها فلزم ذلك أن يكون تشنجه موجباً لانجذابها إلى أسفل‏.‏ ولم يكن ذلك مقصوداً منه أو لاً فلذلك لا يكون لها ظاهراً‏.‏

قال جالينوس‏:‏ وهو يحني الرقبة مع تأريب‏.‏

أقول‏:‏ إن ذلك إنما يكون إذا كان المتحرك أحد فردي هذا الزوج وأما إذا تحركا معاً فإن جذبه للرقبة يكون على الاستقامة وسبب ذلك أن ليفه يتصل من جانبي الفقرات بالأجنحة وينحدر إلى الإبطين فإذا تشنج أحد فرديه كان جاذباً للرقبة إلى أسفل وإلى ناحية الإبط‏.‏

ويلزم ذلك أن يكون جذبه لها مؤرباً‏.‏

وأما إذا تشنج الفردان جميعاً فإن انجذاب الرقبة إلى أحد الجانبين يبطله انجذابها إلى الجانب الآخر وإنما لم يمتد هذا الليف من سناسن الفقرات لئلا يلزم عند تشنج أحد الفردين ميل العنق إلى جهة ذلك الفرد ويلزم ذلك ضيق قصبة الرئة وهو مضاد للغرض من بسط الصدر المقصود بحركة هذا العضل‏.‏

إذا الغرض من بسط الصدر هو جذب الهواء إلى داخله وضيق قصبة الرئة معسر لذلك والأولى وهي العضلات التي تحرك الصدر وتبسطه وهذه فيها ما فعلها كذلك متفق عليه عند المشرحين‏.‏ ومنها ما ليست كذلك‏.‏

والثانية‏:‏ هي التي تسمى عضل الترقوة وهي زوج تحت كل ترقوة عضلة خفية إنما تدرك إذا شيلت تلك الترقوة وهي لحمية تتصل بالترقوة وبالضلع الأول‏.‏

واتصالها بالترقوة بالجزء الأصغر المتصل منها بالقص وبالجزء الذي يصعد إلى رأس الكتف وقد وقع في فعل هذا الزوج خلاف بين المشرحين‏.‏

والذي ذهب إليه جالينوس وهو الحق أنه ليسط الصدر يجذب الضلع الأول الصغير إلى قرب حد الذي أكبر منه والأولي وهي التي بسطها للصدر متفق عليه فمنا زوج‏.‏

قال جالينوس فيه‏:‏ من شاء أن يجعله عاماً للصدر والكتف فله ذلك ومن شاء أن يجعله خاصاً بالصدر فله ذلك وذلك لأن هذا الجزء الزوج ينشأ كل فرد منه من قاعدة الكتف ويمتد على الصدر حتى يبلغ إلى ضلعين من أضلاع الخلف عند قرب منشأ الأجزاء الغضروفية منها والجزء من هذا العضل الذي عند قاعدة الكتف متوار حتى إنما يرى بعد شيل الكتف وأجزاؤه التي على الصدر غير ملتحمة بل كأنها تنقسم عند كل ضلع إلى عضلة‏.‏

وهذا الزوج يبسط الصدر بسطاً عظيماً وذلك بسبب اتصاله بأضلاع كثيرة منه وجذبه لها إلى قدام وإلى الجانب الوحشي ومن هذه العضل ما ليس كذلك فمن ذلك ما يسمى باسم آخر غير العضل وهو الحجاب وسنذكره في موضعه‏.‏

ومنها ما ليس كذلك وهي الزوج الذي ينشأ من الفقرة السابعة من فقار العنق‏.‏

ومن الفقرة الأولى والثانية من فقار الصدر ويتصل بأضلاع القص وللصدر زوجان آخران يبسطانه أحدهما يبتدئ من الفقرة الثانية من فقار الرقبة ويمتد إلى أضلاع الخلف ويمر بالموضع المقعر من الكتف‏.‏

وثانيهما‏:‏ أصغر من هذا يبتدئ من الفقرة الأولى من فقرات العنق وتمتد إلى الضلع الخامس ويمر إلى قدام الكتف‏.‏ والله أعلم‏.‏

  البحث الثاني العضلات التي تقبض الصدر

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل القابضة للصدر فمن ذلك‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما العضل التي تقبض وتبسط معاً فهي العضل‏.‏

الشرح العضل التي تقبض الصدر ولا تبسطه منها ما تنسب إلى البطن وهي الأجزاء العالية من العضلات الشاخصة من عضلات البطن وستعرفها‏.‏

ومنها ما ليس كذلك فمنها ما هو ممتد مع عضلات الصلب عند أصول الأضلاع وهذه إذا تشنجت جمعت هذه الأصول بعضها إلى مقاربة بعض وشدتها ومنها ما هو ممتد في جنبي عظام القص من داخل من أو له إلى آخره‏.‏

فإذا تشنجت ضمت أطراف الأضلاع المتصلة به بعضها إلى مقاربة بعض ومنها العضل الذي يجذب الأضلاع الأخيرة إلى أسفل‏.‏

وإنما كانت العضلات القابضة أقل من الباسطة لأن البسط يفتقر فيه إلى تمديد العظام ومفاصلها وذلك لا محالة عسر فلذلك إنما يتم بقوة أخرى وأما القبض فيتم بضم العظام إلى مفاصلها وذلك أسهل من تمديدها إلى خارج لأنه على وفق فعل الأربطة والتمديد على ضد فعلها‏.‏

ولما كان القبض يتم بضم العظام إلى مفاصلها لا جرم كان وضع عضله بقرب تلك المفاصل‏.‏

قوله‏:‏ فمن ذلك ما يقبض بالعرض وهو الحجاب إذا سكن القابض حينئذٍ ليس هو الحجاب بل الصدر هو بطبيعته لأن القاسر له على الانبساط إذا بطل فعله عاد هو بنفسه إلى طبيعته‏.‏

وأما سكون الحجاب فهو شرط لا سبب ولو صح أن يقال إنه يقبض بالعرض لصح أن يقال ذلك في العضلات الباسطة أيضاً فإن سكون كل واحد منهما شرط في انقباض الصدر بالطبع‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث العضلات التي تبسط الصدر وتقبضه

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل التي تقبض وتبسط معاً‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح كل ضلعين فلا بد وأن يكون بينهما عضل يسد الخلل بينهما ويشد كل واحد منهما بالآخر حتى يكون وضعهما محفوظاً موثقاً‏.‏

وهذا وإن أمكن أن يكون بغير العضل إلا أن العضل أولى لأن لها مع ذلك نفع في فعل الصدر‏.‏

وهو الانبساط والانقباض وينبغي أن يكون هذا العضل آتياً من فقار الصلب واصلاً إلى عظام القص ليكون ساداً لجميع ما يقع بين الضلعين ولكن وضع هذا الليف يجب أن يكون في وضعه مخالفاً لو ضع العضل لأن هذا العضل آخذ من خلف إلى قدام‏.‏

وأما الليف فيجب أن يكون آخذاً من فوق إلى أسفل ليكون واصلاً بين الضلعين‏.‏

وينبغي أن يكون سلوكه كذلك بتوريب‏.‏

فإنه لو كان منتصباً لم يكن قابلاً للتمدد الذي يوجبه بسط الصدر قبولاً سهلاً ضرورة أن يكون حينئذٍ على أقصر الطرق الواصلة بين الضلعين وينبغي أن يكون سلوكه كذلك بتوريب فإنه لو كان منتصباً لم يكن قابلاً للتمدد الذي يوجبه بسط الصدر قبولاً سهلاً ضرورة أنه يكون حينئذٍ على أقصر الطرق الواصلة بين الضلعين وينبغي أن لا يكون كله على وضع واحد بل على وجه مقاطع بعضه بعضاً ليكون بعضه مرتبطاً ببعض فيكون تأليفه قوياً فلذلك تكون هيئته على صورة كتابة السين في كتابة اليونان‏.‏

قال جالينوس‏:‏ وعدد هذه العضلات اثنتان وعشرون عضلة إذ بين كل ضلعين عضلة واحدة وليس بين الطرفين وبين غيرها هذا النوع من العضل وعدد الأضلاع أربعة وعشرون ضلعاً وأما صاحب الكتاب فقد جعل كل واحدة من هذه العضلات أربع عضلات فيكون عددها ثمانياً وثمانين عضلة‏.‏

واحتج على ذلك بأن هيئات الليف في كل واحدة منها على أربعة أحوال وذلك لأن كل واحد من هذه كلها أجزاء تلي الصلب‏.‏

وهو حيث الأضلاع منحدرة من فوق إلى أسفل وجزء يلي القص وهو حيث الرؤوس الغضروفية‏.‏

والليف في كل واحد من الجزأين ما كان منه إلى خارج الصدر فهو على خلاف هيئة ما هو فيه إلى داخله فلذلك تكون ألياف ما بين كل ضلعين على أربعة أو جه‏.‏

فيكون ذلك أربع عضلات‏.‏

ونحن نقول‏:‏ إن الأمر كذلك لا لأن هذه الألياف مختلفة الوضع فقط بل لأن فعلها مختلف أيضاً‏.‏

وذلك لأن الألياف التي من جهة الصلب ما كان منها إلى خارج الصدر فهو باسط وما كان منها إلى داخله فهو قابض والألياف التي من جهة القبض بالعكس أعني ما كان منها إلى خارج الصدر فهو قابض‏.‏

وما كان منها إلى داخله فهو باسط واختلاف الأفعال لا شك في دلالته على اختلاف العضل‏.‏

وقال جالينوس‏:‏ إن مع هذه العضلات زوج صغير يجذب الضلع الأول إلى فوق كما تجذب عضلتان أخريان الضلع العاشر والحادي عشر إلى أسفل وأما الضلع الثاني عشر فهو خارج من الحجاب ويلتحم بالعضلة الصغيرة من العضل المؤرب الذي على البطن‏.‏

  الفصل السادس عشر تشريح عضل حركة العضد

والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث‏:‏

  البحث الأول العضلات الثلاث الآتية إلى الكتف من الصدر

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه عضل العضد هي المحركة‏.‏

إلى قوله‏:‏ وعضلتان تأتيان من ناحية الخاصرة وتتصلان أدخل‏.‏

الشرح لما كان مفصل العضد مع الكتف محتاجاً إلى أنواع كثيرة من الحركات الإرادية التي إنما آلام بالعضل‏.‏

وكان تحريك المستطيل من طرفه رفعاً وإلى الجانبين ونحو ذلك مما يحوج إلى قوة قوية جداً وجب أن تكون العضل المحركة لهذا المفصل كبيرة عظيمة وإنما وجب أن يكون اتصال هذه العضلات بطرف العضد لأنها لو اتصلت بغير ذلك الموضع لزمها عند التحريك رفع ما فوق أو تارها من الجلد وذلك عسر مؤلم وأول هذه العضلات المذكورة في الكتاب ثلاث الأولى‏:‏ تبتدئ من تحت الثدي وهو الموضع المنخفض الخارج عنه وتلتحم أكثر أجزائها بالعضلة الثالثة التي نذكرها وتنتهي إلى وتر غشائي ويلتحم في مقدم العضو في الجزء المعروف بزيق النقرة خاصة الذي من قدام وإنما جعل هذا الوتر غشائياً ليتسع له ولعظم العضد الزيق فإذا تشنجت هذه العضلات جذبت العضد مقربة له من الصدر لأن ابتداء ليفها من هناك وتقريبها له من الصدر مع اشتراك لأن موضع اتصالها بالعضد أعلى من موضع اتصالها بالصدر وهذا الاشتراك ليستتبع الكتف لارتباطه بالعضد بالأربطة التي عرفتها عند كلامنا في العظام‏.‏

والعضل الثانية‏:‏ تبتدئ من العظم الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس من عظام القص ويصعد إلى الجزء العالي من رأس العضد وهو الذي يلي الترقوة وهناك يلتحم برباط غشائي حول هذا المفصل‏.‏

ووتر هذه العضلة أقوى من وتر التي قبلها وذلك لأمرين‏:‏ أحدهما أن وتر تلك احتيج أن يكون غشائياً لما ذكرناه ويلزم ذلك أن يكون ضعيفاً لأجل رقته‏.‏

وثانيهما‏:‏ أن تحريك تلك العضلة هو تقريب العضد من الصدر مع اشتراك وذلك أسهل من تحريك هذه وهو تقريب العضد من الصدر مع استرفاع‏.‏

وسبب ذلك أن وترها يأتي طرف العضد من فوق والعضلة الثالثة هي أعظم هذه العضلات وتبتدئ ليفها من جميع عظام القص ويمر الجزء الأعلى من ليفها عرضاً إلى موضع الكتف لأن منشأه على محاذاته أو بالقرب من ذلك ويمر الجزء الأسفل منه إلى هناك صاعداً على توريب لأن منشأه هذا الجزء من أسافل القص فيكون طريقه إلى الكتف لذلك قال جالينوس‏:‏ أن للأول أن يضع أن هذه عضلتان لا عضلة واحدة وذلك لأجل اختلاف المذكور في ليفها أو ليف جزئها السافل شديد المخالفة لليف جزئها العالي وكلا الجزأين كبيران لكن العالي أكبر كثيراً إذ الثدي موضوع على هذه العضلة لأنه في طريق سلوكها‏.‏

والجزء اللحمي من الإبط الذي في مقدم الصدر من هذه العضلة إلا القليل منه وأكثر ذلك من الجزء السافل منها وذلك لأن هذا الجزء من الإبط لما كان جذب الجزء من العضلة للعضد حينئذٍ قوياً إذ لا يكون ذلك الجذب معتمداً على عظم لأنه لو لم يكن جذباً إلى المنشأ بل إلى موضع الزاوية المنفرجة فلذلك احتيج أن يكون نفوذ هذا الجزء إلى الكتف على وجه يجذب عنه هذا الجزء من الإبط‏.‏

وسواء كان هذا الجزآن عضلة واحدة أو عضلتين فإن الوتر الجاذب منهما واحد وهو وتر دقيق بالقياس إلى ما يقتضيه جرم هذه العضلة ومع ذلك فلحميته قليلة وإنما خلق كذلك ليكون مع دقته شديد القوة وإنما أريد أن يكون دقيقاً لئلا يثقل طرف العضد ويغلظه واتصال هذا الوتر هو بأسفل مقدم العضد فإذا تشنج جزؤها العالي أقبل بالعضد نحو الصدر رافعاً له إلى فوق قليلاً لأن ليف هذا الجزء يرتفع بعضه عن طرف العضد فإذا تشنج جزؤها الأسفل أقبل العضد نحو الصدر خافضاً له لأن جذب هذا الجزء يكون على تأريب كما هو وضع ليه فإذا تشنج الجزآن معاً أقبلا بالعضد نحو الصدر على استقامته من غير رفع ولا خفض لأن ما يقتضيه كل واحد من الجزأين من ذلك يبطله الجزء الآخر وإنما تتكافأ القوتان في ذلك فلا يكون الرفع أولى بسبب كون الجزء العالي أكبر وذلك لأن هذا الجزء وإن كان اكبر فليس جميع أجزائه ذاهباً إلى رأس العضد في أعلاه بل بعضه يكون أسفل من محاذاة ذلك الموضع وهو ما قرب من الجزء السافل‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني عضلتي الخاصرة المحركتين للصدر

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعضلتان تأتيان من ناحية الخاصرة تتصلان‏.‏

إلى قوله وخمس عضلات منشؤها من عظم الكتف عضلة منها منشؤها‏.‏

الشرح أما الأولى من هاتين العضلتين فهي أغلظ وأطول من جميع العضل المحركة لعظم العضد ومنشؤها من الفقار الذي يتصل بها أضلاع الخلف ويلتحم على عضل الصدر صاعدة حتى تلتحم أيضاً بقاعدة الكتف ثم تمتد إلى قدام على تأريب يسير ملتحمة مسافة ما على العضل الموضوع على الضلع المنخفض من أضلاع الكتف فإذا بلغت محاذاة الإبط صعدت إلى عظم العضد والتحمت به بوتر قوي جداً إلى العرض ما هو والتحامها به من الناحية الداخلة من وتر العضلة العظيمة الصاعدة التي تقدم ذكرها وهي إحدى تلك العضلات الثلاث‏.‏

وهذه العضلة تلتحم بعضلتين‏:‏ إحداهما‏:‏ موضوعة فوقها في نفس الإبط‏.‏

والأخرى تبلغ إلى مفصل المرفق‏.‏

وإذا تشنجت هذه العضلة جذبت العضد إلى جهة ضلوع الخلف لان تشنجها يكون إلى هناك وإنما خلقت عظيمة لأن تحريك المستطيل من طرف هذه الحركة عسر جداً‏.‏

وأما العضلة الثانية فهي عند مبدئها رقيقة جداً وتزداد غلظاً كلما ارتفعت ومبدؤها من الأغشية التي تحت الجلد الذي على عظم الخاصرة‏.‏

فلذلك ولرقتها هناك جهلها كثير من المشرحين لأنها تنكشط مع الجلد عند السلخ فلا يظهر لهم فإذا بلغت الإبط ازدادت غلظاً كثيراً حتى ترى هناك عضلة ظاهرة وينتهي إلى وتر غشائي‏.‏

وهذه تفعل فعل الأولى لأن مبدأ هذه أميل إلى قدام من تلك‏.‏

وتتصل بطرف العضد فإذا جذبت بتشنجها رأس العضل إلى قدام مال ما فيه إلى خلف وإنما لم تحتج هذه عند مبدئها أن تكون متصلة بعظم لأنها لطولها تكثر الأجزاء التي تتصل بها من الأغشية ونحوها فيقوم ذلك لها مقام العظم لو كانت قصيرة وسبب اختصاص هذه بذلك أنها مع عظمها لا تحتاج أن تكون قوية جداً لأنها يقصد منها فعل مستقل بل أن تكون معينة للمذكورة قبلها‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث باقي عضلات هذا المفصل

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وخمس عضلات منشؤها من عظم الكتف عضلة منها‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح قد علمت أن عظم الكتف على ظهره عظم مثلث فإذا لم يمتل جانباه لحماً ولم يختف بعظم الكتف لحم لم يمكن تسطح ظاهر البدن هناك مستحسناً وكان نتوء الجلد يعده للتضرر بالملاقيات ولحم العضل أولى بذلك لأنه مع نفعه هذه المنفعة يفيد في تحريك العضد فلذلك خلق على هذا العظم خمس عضلات كبار ذوات أو تار عراض قوية كلها تلتحم بعظم العضد‏.‏

وهذه العضلات بعضها فيما بين العظم الدرقي المثلث والضلع العالي من عظم الكتف وبعضها فيما بين ذلك المثلث وبين الضلع السافل من عظم الكتف وبعضها في غير هذين الموضعين والأولى من هذه الخمس تنشأ من الضلع الأعلى من الكتف وتملأ ما بين هذا الضلع وبين المثلث الذي على ظهر الكتف وينفذ إلى الجزء الأعلى من رأس العضد وهو الرمانة الوحشية وهي الخارجة عن نقرة الكتف وتتصل بهذه الرمانة مائلة يسيراً إلى الأنسي وهي تبعد العضد عن الصدر مع ميل إلى الأنسي لأنها إذا تشنجت جذبته إلى فوق وذلك لأن تشنجها يكون إلى ظهر الكتف وهو فوق العضد ومع ذلك تميله إلى الأنسي لأن جهته الموضع الذي يشغله لحمها هو بالنسبة إلى موضع اتصالها بالعضد أنسي‏.‏

والثانية من هذه الخمس تملأ ما بين العظم المثلث وبين الضلع الأسفل من أضلاع عظم الكتف‏.‏

وتتصل برأس العضد من الجانب الوحشي جداً فيبعده عن الصدر مع ميل إلى الوحشي إما بتبعيدها له عن الصدر فلأنها ترفعه إلى فوق ولأنها تتشنج إلى ظهر الكتف وهو أعلى من رأس العضد وإما تمييلها له إلى الوحشي فلأن الموضع الذي يشغله وحشي بالنسبة إلى رأس العضد وقد جعل الشيخ منشأ هذه من الضلع الأعلى من أضلاع الكتف‏.‏

والعضلة الثالثة من الخمس مشتبكة بهذه حتى يظن أنها جزء منها وهي تفعل هذه وقد جعل الشيخ منشأها من الضلع الأعلى من الكتف أيضاً وأظن أنه من الأجزاء العليا من الضلع المنخفض من أضلاع الكتف من دون نصفه ووترها يتصل بالأجزاء الوحشية بالحقيقة من عظم العضد فلذلك يكون تمييلها له إلى الوحشي أكبر وهي أصغر من الثانية‏.‏

والعضلة الرابعة من الخمس تحشو تقعير الكتف ووترها قوي عريض جداً‏.‏

والعضلة الخامسة تنشأ من الأجزاء السفلية من الضلع المنخفض من أضلاع الكتف وتلتحم بالعضلة العظيمة الصاعدة من الفقار الذي عند أضلاع الخلف التحاماً طويلاً وذلك في المواضيع الأنسية من العضد فهذه عضلات تحرك عظم العضد عند هذا المفصل وله عضلة أخرى ذات رأسين‏.‏

فيكون جملة عضله إحدى وعشرين عضلة سوى العضلة الصغيرة التي زادها بعضهم‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏